صندوق المناخ الأخضر بين الأمل والواقع

ثلاثة أضعاف ما تم تحصيله في دبي لصندوق المناخ الأخضر في باكو
ختمت الـ 200 دولة الموزعة في المجموعات المفاوضة لمؤتمر الأطراف 29 لهذا العام في باكو بأذربيجان هدفًا جديدًا متعلقًا بالتمويل المناخي الموجه للدول النامية لمساعدتها على مواجهة الكوارث المناخية والتكيف مع التغيرات المناخية، لكن هل ما تم توفيره من تمويل كافٍ لهذه البلدان أم ينقصه الكثير؟ وما هو المبلغ الذي تتطلع إليه البلدان والمجموعات المفاوضة لتحصيله سنويًا في صندوق المناخ الأخضر؟ وما هي آلية جمع هذه الأموال ولمن ستوجه بشكل مباشر؟

بلغت قيمة التمويلات المناخية الموجهة للدول النامية والتي تم الاتفاق عليها لهذا العام ثلاثة أضعاف القيمة التي تم جمعها العام الماضي في كوب 28 في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي بلغت 300 مليار دولار سنويًا، مقارنة بالهدف السابق الذي وصل إلى 100 مليار دولار ضمن اتفاقية باريس في ال ٢٠١٥ وكان حيز التنفيز من ٢٠٢٠ الى ٢٠٢٥.
هل تغطي مليارات التعويضات الخسائر المرصودة؟ توقعات عالية ونتائج محبطة
أعربت الدول النامية والناشطون والخبراء البيئيون عن استيائهم الكبير من هذا المبلغ الزهيد جدًا مقارنةً بالقيمة التي طالبوا بها وتوقعوها قبل نهاية المؤتمر، بالرغم من أن هذه الأموال التي يتم تجميعها من الدول الصناعية والمتقدمة والشركات الكبرى هي غير إلزامية حتى الآن ولا تتبع لأي سلسلة مساءلة، بل هي كرم أخلاقي منهم مرتبط بالمسؤولية البيئية العالمية.

اعتبر الخبراء والناشطون أن الـ 300 مليار دولار تعهدات مقلقة يمكن أن تزيد من عبء الديون على البلدان الضعيفة والنامية لأنها تندرج ضمن منح وقروض مقدمة للقطاعين العام والخاص. كما أنه لا يوجد التزام معين بضمان تحقيق هدف التمويل الذي تم إقراره، وأن ما تم التوصل إليه لا يتوافق مع حقوق الإنسان والعدالة المناخية المنصفة لكل متأثر بالتغير المناخي. كل ذلك يمثل الفجوة الكبيرة بين المطالب والآمال التي بنتها الدول النامية، وبين الضعف الكبير فيما قدمته الدول الصناعية والمتقدمة.

تحدث الخلافات الكبيرة والحادة في المفاوضات كل سنة بين الدول وتمنعها من الوصول إلى اتفاقات واضحة لأسباب عديدة، منها اختلاف التزاماتها الاقتصادية والوطنية بسبب أن هناك بعض الدول تعتمد على الموارد النفطية بشكل كبير، فليس من مصلحتها الموافقة على القرارات والنقاط المتعلقة بالتحول السريع للطاقة المتجددة وإنهاء الوقود الأحفوري أو تقليل الانبعاثات، بينما تشدد الدول الجزرية المهددة بالغرق والاختفاء على هذه القرارات بشكل كبير جدًا. كما أن اختلاف حجم الانبعاثات الصادرة من كل دولة وتفاوتها بين الدول الصناعية والنامية يؤدي إلى خلاف كبير وفجوة في المطالب والشروط.

كما أن وجود ضغوط سياسية داخلية لكل دولة يتحكم في مواقفها وقراراتها أثناء المفاوضات، قد تكون هناك ضغوط كبيرة أيضًا من الشركات العاملة في الوقود الأحفوري على الحكومات، مما يؤثر بشكل كبير على موقفها. كل هذه الخلافات تؤثر على الثقة والحوار الشفاف بين الدول وتقلل من تفاهمها وتعاونها مع بعضها البعض.

ماذا جمعوا لتمويل المناخ ومواجهة آثاره؟
طالبت مجموعة (G7+China) بتأمين جهود جميع الجهات الضاغطة والمطالبة بحقوق التمويل للعمل معًا لزيادة نطاق التمويل للبلدان النامية والمتأثرة بالتغير المناخي، إلى مبلغ 1.3 تريليون دولار أمريكي سنويًا لدعم التخفيف والتكيف ومعالجة الخسائر والأضرار التي تسبب بها التغير المناخي. وبالرغم من كل هذا، إلا أنها تعتبر قيمًا قليلة جدًا نظرًا لحجم الدمار والخسائر التي تخلفها الكوارث المناخية والتي تسببت بها الدول الصناعية أو دول الشمال العالمي التي بنت نفسها وطورت اقتصادها على حساب دول الجنوب العالمي التي تواجه هذه التغيرات.

تم التوصل إلى اتفاقات مهمة جدًا متعلقة بتشغيل أسواق الكربون ضمن المادة السادسة من اتفاقية باريس، وضمان الشفافية في الإبلاغ عن الانبعاثات الكربونية ضمن التقارير المناخية، حيث قدمت 13 دولة تقارير فعلية ضمن أطر شفافة.

إلى ماذا نتطلع في البرازيل؟
سيُعقد مؤتمر الأطراف القادم بعد سنة من الآن في البرازيل، وسيكون هناك ضغط كبير منتظر عليها وعلى المجموعات المفاوضة فيما يخص اتخاذ قرارات صارمة وإلزامية متعلقة بتمويل المناخ. والهدف الأساسي سيتمحور حول اعادة النظر في المساهمات الوطنية بشكل اساسي، وهناك العديد من التوصيات المهمة التي طالب بها جميع الناشطين والخبراء، خاصة من الجنوب العالمي المتأثر بالتغير المناخي، وأبرزها: أن يكون التمويل إلزاميًا وليس طوعيًا.
مضاعفة التمويل بشكل أكبر بكثير من المبلغ الحالي، وأن تكون التمويلات على شكل منح وليس قروضًا، بالإضافة إلى رصد المشاريع المنفذة في الدول النامية وشفافية تنفيذها وتناسبها وتكيفها مع التغير المناخي. بالإضافة إلى اعتبار قضية الخسائر والأضرار ركيزة ثالثة مستقلة في العمل المناخي وليست فرعًا من التكيف. كما يجب إعادة النظر في حجم التمويل الحقيقي المطلوب لتعويض الخسائر والأضرار، خاصة بعد الدمار الكبير الذي ينتج عنه خسائر بمليارات الدولارات بسبب الكوارث المناخية الكبيرة، حيث ستبلغ تكلفة الخسائر والأضرار ما يزيد على 400 مليار دولار سنويًا بعد 6 سنوات من الآن، حسب دراسة أجرتها المبادرة العالمية “التعاون بشأن الخسائر والأضرار”.