يشهد العالم تطورًا متسارعًا في مجالات التكنولوجيا وأدوات الاتصال الحديثة، التي أحدثت تغييرات جذرية في سلوك الإنسان وطرحت تساؤلات عديدة حول تأثيرها على البشرية، ولا سيما في قضايا حقوق الإنسان. فرغم ما يوفره هذا التطور من تسهيلات لنشطاء حقوق الإنسان ومساهمته في عولمة هذه القيم ونشرها، إلا أنه يفرض تحديات كبيرة. من أبرز هذه التحديات، تزايد عمليات جمع بيانات المستخدمين واستغلالها من قبل جهات مختلفة لأغراض سياسية وتجارية، إضافة إلى دور هذه الأدوات في نشر خطاب الكراهية ضد الفئات المهمشة مثل النساء والأقليات والمهاجرين، مما يسهم في تشكيل اعتقادات عامة مضللة وموجهة ضدهم.
لقد أحدثت التكنولوجيا الحديثة ثورة غير مسبوقة في أدوات الاتصال، حيث أزالت الحدود الجغرافية والزمنية وجعلت العالم أشبه بقرية صغيرة. أصبح بإمكان الأفراد من مختلف أنحاء العالم تبادل الأفكار والمعلومات والقيم في لحظات، مما عزز الحوار بين الثقافات وخلق بيئة جديدة تتبنى مفاهيم مشتركة حول قضايا حقوق الإنسان. لم تعد هذه المفاهيم محصورة في نصوص قانونية أو مواثيق محلية، بل أصبحت جزءًا من النقاشات العامة العالمية، تدافع عنها حركات ومؤسسات ذات طابع دولي، مستفيدة من منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت.
ساعدت التكنولوجيا أيضًا في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما في الدول غير الديمقراطية التي تسيطر فيها الأنظمة القمعية على الإعلام التقليدي وتمنع الانتقاد. هذا الدور التقني زاد من الضغوط العالمية على تلك الدول ودفعها نحو إصلاحات ديمقراطية، مما ساهم في تعزيز الحريات وتخفيف القمع.
على الجانب الآخر، كان للتكنولوجيا دورٌ بارزٌ في تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية. بفضل المنصات الرقمية، أصبح التعليم متاحًا للجميع، مما ساعد في تقليص الفجوة التعليمية. وفي مجال الرعاية الصحية، وفّرت الأنظمة الصحية الإلكترونية وسائل للاستشارات الطبية عن بُعد، خاصة في المناطق التي يصعب فيها الوصول إلى الخدمات الطبية.
رغم كل هذه الفوائد، تواجه حقوق الإنسان تحديات كبيرة في ظل التقدم التقني. من أبرزها الحفاظ على خصوصية المستخدمين، حيث تتزايد عمليات جمع البيانات واستخدامها لأغراض متعددة، قد تشمل التجسس على النشطاء والمعارضين، خاصة في الدول غير الديمقراطية. كما تصاعدت حدة خطاب الكراهية على منصات التواصل، الذي غالبًا ما يُستخدم ضد الأقليات والفئات المهمشة، مما يعرضهم لخطر التمييز والعنصرية.
لذلك، يجب على منصات التواصل الحديثة أن تلعب دورًا أكبر في مكافحة خطاب الكراهية وحماية حقوق الإنسان. ومع أن التكنولوجيا توفر دعمًا كبيرًا لهذه الحقوق، إلا أنها تفرض تحديات تستدعي وضع احترام حقوق الإنسان في صلب اهتمامات الشركات المطورة لهذه المنصات، مع ضرورة حوكمتها وفقًا لمبادئ أخلاقية تحترم الإنسان وحقوقه.