هل تساءلت يومًا عن إمكانية أن يتسبب نقص كميات من الماء في طلاق امرأة؟ هل حقًا يمكن أن يشكل الماء فرقًا في مصير العلاقات الزوجية في بعض المجتمعات؟ قد يبدو هذا سؤالًا غريبًا، لكن في بعض المجتمعات الفقيرة والأقل وصولًا إلى المياه، يمثل هذا الخلاف واقعًا يهدد استقرار الأسر. فكيف يمكن أن يؤثر نقص المياه على تماسك المجتمعات والأسر؟
الحقيقة هي أن نقص المياه يخلق ضغطًا على العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك الجانب الأسري والاجتماعي والنفسي والصحي. فعندما يُحتكر مجهود الحصول على المياه وإدارتها وتوزيعها للشرب والطهي والنظافة في بعض المجتمعات التي تعاني من الفقر، وتُحرم فيها المرأة من حقوق مساوية للرجل، يؤدي ذلك إلى توليد ضغوط نفسية غير مسبوقة، ينتج عنها نزاعات وخلافات أسرية.
في الوقت الذي يمضيه الرجل في العمل، تقع مسؤولية إدارة المياه بالكامل على النساء ربات البيوت، مما يزيد العبء عليهن في إدارة الشؤون المنزلية الأخرى، ويقلل من فرصهن في الحصول على العمل والتعليم والانخراط في الحياة الاجتماعية. يحدث هذا في أغلب المجتمعات الفقيرة في الموارد المائية، وخاصة في المجتمعات التي تُصنف فيها حصة الفرد المائية أقل من خط الفقر المطلق، أي أقل من 500 متر مكعب سنويًا. في الأردن، على سبيل المثال، تصل حصة الفرد الواحد إلى 61 مترًا مكعبًا في السنة، وفي بعض المناطق مثل جرش وعجلون تصل إلى 40 مترًا مكعبًا للفرد الواحد.
تحدث هذه الحالات بشكل خاص في المناطق الجبلية التي يكون وصول المياه إليها أصعب بكثير من غيرها. في منطقة المعراض بمدينة جرش في الأردن، تعاني النساء بشكل كبير من عدم الوصول العادل إلى المياه، مما يضطر بعض العائلات للاعتماد على “تنكات المياه”، التي تتطلب وقتًا وجهدًا وتكلفة كبيرة لتحصيلها.
تتمثل إحدى أكبر الصعوبات في إدارة الموارد المائية القليلة المتاحة بشكل فعال. يتعين على الأسر الاكتفاء بأقل كمية ممكنة من المياه لأطول فترة زمنية، حيث تصل دورات توزيع المياه في بعض المناطق مرة كل أسبوعين أو مرة شهريًا. هذا الأمر يفرض ضغوطات نفسية كبيرة على المرأة وباقي أفراد الأسرة، حيث يقع اللوم على المرأة بشكل رئيسي لعدم كفاية المصادر المائية، بما في ذلك التنظيف والطبخ والغسل، والتي تُعتبر من مسؤولياتها في أغلب المجتمعات.
نقص المياه يؤثر أيضًا على المرأة من نواحٍ أخرى. اقتصاديًا، تتأثر المرأة الريفية التي تعتمد على الزراعة كمصدر للرزق. اجتماعيًا، يضيع الوقت المخصص لحياة المرأة خارج منزلها في تعبئة وإدارة وتوفير المياه، مما يقلل من فرص مشاركتها في الأنشطة الاجتماعية. أما بالنسبة للجانب الصحي، فإن جودة المياه المتدنية قد تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل سرطان الجلد الناجم عن الزرنيخ غير العضوي، وتساقط الشعر، وحساسية الجلد، وأحيانًا التسمم الغذائي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
قطرات المياه التي لا يتخيل أحد أنها قد تسبب تفكك أسرة قد تصبح حاجزًا صعبًا بني عبر سلسلة من الأحداث المتتالية: لوم، فصراع، فنزاع، فطلاق. الأطفال والزوجة هما الضحيتان الرئيسيتان، حيث تشعر الزوجة بالذنب تجاه عائلتها بسبب نقص المياه، بينما يشعر الزوج بالغضب والإحباط بسبب الوضع المالي المتأزم. فما الحل؟
تلعب ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده دورًا كبيرًا في تحديد أدوار المرأة والرجل في المنزل والعمل والحياة الاجتماعية بشكل عام. تؤثر هذه العوامل على تفاصيل مثل تربية الأطفال، واتخاذ القرارات المالية، وإدارة المياه والكهرباء. في العديد من المجتمعات، يُنظر إلى الرجل على أنه المعيل المالي الأساسي، بينما تكون مسؤولية إدارة شؤون المنزل وتربية الأطفال على عاتق المرأة وحدها.
القوانين العرفية في بعض المجتمعات تقيد دور الرجل والمرأة في العديد من المهام. على سبيل المثال، نجد أن النسبة الأعلى لملكية الأراضي هي للرجل، وأن مشاركة الرجل في الحياة الاقتصادية أعلى بكثير من المرأة. في الأردن، تمتلك النساء فقط 19% من الأراضي، وتبلغ نسبة مشاركتهن الاقتصادية 15% وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة. بالمقابل، تصل نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء في كندا إلى 60%، وفقًا لمجلس معلومات سوق العمل الكندي. هذا التفاوت الكبير في الفرص الاقتصادية بين الرجال والنساء يقلل من قدرة النساء على اتخاذ القرارات في المنزل أو المجتمع، ويزيد من الضغوط والمسؤوليات عليهن.
علينا العمل على تجاوز هذه المشاكل النفسية والأسرية الناتجة عن نقص الموارد المائية من أجل بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات المناخية والبيئية، مثل نقص المياه أو الجفاف. يجب تمكين المرأة من المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة المياه، وتقديم الدعم النفسي لها، وتدريبها وتوعيتها حول قضايا الصحة العامة، ومساعدتها على الانخراط بشكل أكبر في الحياة الاجتماعية.