يُعَدُّ تغير المناخ عاملاً محورياً في إعادة تشكيل البيئة الأمنية العالمية. فمن جهة، يؤدي تغير المناخ إلى تصاعد احتمالات نشوب أنواع معينة من الصراعات، حيث تتفاقم التوترات حول الموارد الطبيعية المتضائلة مثل المياه والطاقة. ومن جهة أخرى، يؤثر تغير المناخ على قدرة الدول والجهات الفاعلة على الحفاظ على استقرارها واتخاذ إجراءات فعالة، حيث تتعرض البنى التحتية الأساسية والقدرات الاقتصادية لضغوط شديدة. وفي المقابل، تعزز التعقيدات الجيوسياسية وانعدام الأمن، وكلاهما مدفوع بالآثار الثانوية لتغير المناخ، من صعوبة التوصل إلى حلول جماعية للتخفيف من تأثيرات هذه الظاهرة والتكيف معها. والنتيجة هي علاقة جدلية معقدة بين الحرب والصراعات وأزمة المناخ، تشكل تهديداً وجودياً للدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء، في جميع أنحاء العالم.
علمياً فإن تغير المناخ والذي يساهم فيه انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية تسخن الكوكب ولم تتغير هذه الحالة منذ السبعينيات. ولكن اليوم بعد خمسين عامًا، أصبحت آثار هذا التغيير أكثر وضوحًا. مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ترتفع مستويات البحار، تتغير النظم البيئية، وتصبح الظواهر الجوية مثل الجفاف وموجات الحرارة والأعاصير والفيضانات أكثر شيوعًا.
الأمر المقلق هو أن تغير المناخ يزيد من احتمالية نشوب الحروب، وفي دائرة مفرغة، تقوض هذه الحروب الجهود العالمية للحد من الانبعاثات وتقليل التأثيرات البشرية لتغير المناخ. و نادرًا ما يكون تغير المناخ هو السبب المباشر للصراعات، لكنه يزيد من خطرها عن طريق تحفيز موجات كبيرة من الهجرة وإضعاف الدول من حيث الموارد وخلق دوامة من الصراعات المحلية داخل الدولة أو بين الدولة واقليمها. ومع تزايد الجفاف وموجات الحرارة والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، تصبح مناطق شاسعة من العالم غير قابلة للسكن، مما يدفع الملايين إلى الهجرة، وغالبًا من الدول الفقيرة مثل بنغلاديش ونيكاراغوا. و تقدر الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050 سيصبح هناك أكثر من 200 مليون لاجئ مناخي. فالهجرة قد تخلق عدم استقرار سياسي في الدول المضيفة وتؤدي إلى إشكاليات بين المهاجرين وبين الدول المستضيفة، مما يزيد من احتمالية الصراعات المدنية.
على سبيل المثال، ساهم الجفاف الشديد في سوريا بين عامي 2006 و2011 بشكل غير مباشر في تأجيج المعارضة ضد نظام الأسد، وذلك من خلال دفع معدلات هجرة غير مستدامة من الريف إلى المدن، مما فاقم الفقر في المناطق الحضرية. و من المهم التأكيد على أن هذا الجفاف لم يكن السبب الوحيد للانتفاضة السورية أو للربيع العربي بشكل عام، بل كان عاملًا من بين العديد من العوامل. وفقًا لإحدى الدراسات، فإن كل زيادة بمقدار 0.5 درجة مئوية في متوسط درجات الحرارة العالمية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية تزيد من خطر الصراعات العنيفة بنسبة تتراوح بين 10% و20%.
تغير المناخ يضعف أيضًا قدرة الدول على الحفاظ على احتكارها الاستخدام المشروع للقوة، مما يزيد من احتمالية نشوب الحروب. و مع تزايد الضغط على موارد الدولة، يزداد الاستياء وتصبح الثورات أكثر احتمالًا. على سبيل المثال، تؤدي التراجعات في إنتاج المحاصيل إلى تقويض الاقتصاديات الزراعية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الكلف الأمنية. كما أن الدول الأقل استقراراً أقل قدرة على الاستجابة للصدمات المناخية. فعلى سبيل المثال، منع الوضع السياسي المجزأ في ليبيا أي استجابة منسقة للفيضانات الكارثية التي تسببت بها العاصفة دانيال في سبتمبر 2023.
في المستقبل، قد تتسبب الأحداث الناجمة عن تغير المناخ في نشوب حروب بشكل مباشر. أولًا، قد يؤدي الصراع على الموارد النادرة مثل المياه أو المعادن الأساسية إلى اندلاع حروب بين الدول. ثانيًا، يفتح ذوبان الجليد في القطب الشمالي ساحة جديدة للمواجهة بين القوى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا. ثالثًا، وهو السيناريو الأقل احتمالًا، قد يؤدي التهاون في تطبيق أهداف الانبعاثات إلى تدخلات عسكرية خارجية في الدول التي لا تلتزم بتعهداتها في المعاهدات.
ورغم ذلك، فإن تغير المناخ ليس السبب الوحيد للصراع، بل ولا حتى السبب الرئيسي. فالتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وعودة روسيا بشكل أوضح على الساحة، ووجود جماعات نشطة ومليشيات غير منظمة متشددة، وضعف المعايير العالمية كلها تهدد السلام العالمي. على الجانب الآخر، لا يمكن للبيئة أن تتحمل صراعًا جيوسياسيًا واسع النطاق.
الحروب تسبب كمية هائلة من انبعاثات الغازات الدفيئة، والجيوش ليست معنية بالكفاءة الطاقية في سعيها لتحقيق أهداف تعتبرها وجودية. على سبيل المثال، تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في زيادة كبيرة في تلوث الهواء، وحرائق الغابات، وتلوث التربة، بالإضافة إلى التهديد الحقيقي بحدوث كارثة نووية في محطة زابوريجيا. علاوة على ذلك، أدت التوترات الجيوسياسية إلى تعطيل سلاسل إمدادات الطاقة العالمية، رغم أن وكالة الطاقة الدولية تقدر أن استخدام روسيا للغاز الطبيعي كسلاح دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة.
الحرب تزيد من صعوبة التعاون الدولي للحد من الانبعاثات. ورغم أن الغرب كان محقًا في عزل بوتين بسبب عدوانه على أوكرانيا، فإن روسيا لا تزال تشكل حوالي 5٪ من الانبعاثات العالمية. وفي ظل نزاعات جيوسياسية خطيرة، سيكون من الضروري على المدى الطويل أن تتعامل الدول الغربية مع روسيا في قضايا المناخ. علاوة على ذلك، في عالم لا يزال بعيدًا جدًا عن تحقيق أهداف خفض الانبعاثات، فإن الصراع بين الولايات المتحدة والصين، اللتين تشكلان معًا حوالي 45٪ من الانبعاثات السنوية، سيكون كارثيًا.
لذلك، يجب أن ندرك جدلية المناخ والأمن إذا كنا نأمل في الحفاظ على الاستقرار والازدهار في القرن الحالي. أولًا وقبل كل شيء، يجب على الدول الغنية تسريع إزالة الكربون من اقتصاداتها ومساعدة الدول النامية على النمو بطريقة مستدامة. هذا سيعالج السبب الجذري لتغير المناخ ويحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 3 درجات مئوية المتوقعة حسب الاتجاهات الحالية.
ثانيًا، يجب على الدول الغنية تقديم الدعم اللازم في جميع أنحاء العالم، من خلال تقديم الخبرة التقنية والمساعدات الإنسانية للدول المهددة بالتغيرات المناخية لتقليل خطر انهيار الدول والصراع العنيف.
ثالثًا، يجب على القوى العظمى أن تكون واقعية بشأن ضرورة بعض التعاون في ظل المواجهة الجيوسياسية. القوى الهيكلية تجعل المنافسة بين القوى العظمى محتملة، لكنها لا تستبعد بالضرورة التعاون الهادئ وراء الكواليس.
أحد الأمثلة على ذلك هو التعاون بين رواد الفضاء الروس والأمريكيين في محطة الفضاء الدولية رغم الحرب في أوكرانيا. لقد تحدى هذا التعاون الهادئ التوجهات الجيوسياسية للحفاظ على هذا المشروع المشترك. بينما تبدو هشاشة الحياة في الفضاء واضحة، غالبًا ما ينسى قادة العالم أنه على الرغم من اختلافاتنا، فإن جميعنا على الأرض مثل رواد الفضاء في الفضاء. مستقبلنا مشترك، ويمكن للحرب وتغير المناخ إما أن يدمرنا جميعًا أو يلهمنا للتعاون الضروري للحفاظ على حياتنا على هذا الكوكب الذي نسميه الأرض.