وُلد أيوني تيتيوتا في جزيرة كيريباتي، حيث عاشت عائلته لأجيال عديدة. ولكن في عام 2007، اضطر أيوني إلى الانتقال إلى نيوزيلندا بسبب الفيضانات والعواصف المستمرة التي جعلت منزله غير صالح للسكن نتيجة لتغير المناخ. في عام 2011، قدم أيوني طلب لجوء في نيوزيلندا، لكن طلبه رُفض لأن الحكومة النيوزيلندية لا تعترف باللاجئين بسبب تغير المناخ وفقًا لاتفاقية جنيف لعام 1951. وفي عام 2015، تم ترحيل أيوني وعائلته إلى كيريباتي. الآن، يعيش أيوني في فقر في كيريباتي، وتجربته ليست هي الوحيدة. في عالمنا اليوم، يجبر تغير المناخ عددًا متزايدًا من الناس على ترك بيوتهم بحثًا عن فرص اقتصادية ومناطق آمنة بعيدًا عن الكوارث الطبيعية.
يتحدث القادة والسياسيون حول العالم كثيرًا عن اللاجئين الذين يفرون من المناطق التي دمرتها الحروب والصراعات. وفي المقابل، نادرًا ما يُسلط الضوء على فئة أخرى من اللاجئين، وهم الذين يضطرون إلى مغادرة بيئاتهم التي أصبحت غير صالحة للسكن بسبب تغير المناخ. هؤلاء اللاجئون لا يتمتعون بنفس الحماية القانونية التي يحصل عليها اللاجئون الآخرون، لكن معاناتهم حقيقية وملموسة. وفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي ، فإن أكثر من 376 مليون شخص قد اضطروا على مغادرة منازلهم بسبب الكوارث المناخية مثل الأعاصير، وأمواج تسونامي، وموجات الحر. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر تغير المناخ على مصادر الغذاء التقليدية مثل الزراعة، والرعي، وصيد الأسماك، مما يزيد من تعقيد حياة هؤلاء النازحين.
تُعد معظم الدول التي تعاني بشدة من آثار تغير المناخ موجودة في ثلاث مناطق رئيسية حول العالم: أمريكا اللاتينية، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا. في هذه المناطق، يعيش أكثر من نصف سكان العالم النامي، وتواجه هذه الدول تحديات هائلة بسبب نقص البنية التحتية اللازمة للتكيف مع تغير المناخ. نتيجة لذلك، يسعى العديد من المواطنين للانتقال إلى بلدان أخرى أو إلى مناطق داخل بلدانهم لا تعاني من ندرة الموارد. هذا التحرك الداخلي يعد مصدرًا لعدم الاستقرار والصراع في هذه الدول. على سبيل المثال، تعاني العاصمة البنغالية دكا من اكتظاظ شديد نتيجة للنزوح الكبير من المناطق الساحلية، حيث يهرب السكان بسبب تآكل السواحل. هذه التحركات السكانية تضغط على الموارد المحلية وتفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المستقبلة.
هناك مشكلتان كبيرتان تستدعيان معالجة فورية في الوضع الحالي. أولاً، نحن نواجه كارثة إنسانية وشيكة بسبب الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين يعانون من آثار تغير المناخ دون أن يحصلوا على حلول دائمة. ثانيًا، الدول التي تنتج أغلب التلوث لا تتعامل بشكل كافٍ مع الآثار الناتجة عن تغير المناخ ولا تقدم الدعم الكافي للدول التي تعاني بشدة من هذه الآثار. هذه المشكلة الثانية تعزز من عدم العدالة وتفاقم الأوضاع الصعبة في الدول النامية، مما يجعل الحاجة إلى تحرك عالمي فعّال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. التحرك الفوري والشامل هو السبيل الوحيد لتخفيف المعاناة وتحقيق العدالة المناخية على مستوى عالمي.
عندما يفكر المجتمع الدولي في قضية اللاجئين، نادرًا ما يتبادر إلى الأذهان موضوع تغير المناخ، ولا يتم الربط بين القضيتين بشكل كافٍ. اللاجئون الذين يضطرون للجوء بسبب آثار تغير المناخ لا يُعتبرون “لاجئين” رسميًا، مما يحرمهم من الحصول على نفس المساعدة والدعم الذي يتلقاه اللاجئون الآخرون. على سبيل المثال، إذا لجأ شخص من جمهورية أفريقيا الوسطى الى الكاميرون، فإنه يحصل على الدعم والمساعدة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بالإضافة إلى فرص أكبر للهجرة إلى دول متقدمة مثل الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا بدعم من المنظمة الدولية للهجرة.
من المؤكد أن هذا الدعم المستحق يجب أن يستمر لهؤلاء اللاجئين، ولكن في المقابل، يتم تجاهل اللاجئين المتضررين من تغير المناخ الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة أيضًا. الأساس في تصنيف اللاجئين هو توفير المساعدة الخاصة للأشخاص الذين يعانون من ظروف صعبة واستثنائية، وليس فقط المصاعب الاقتصادية العادية. حتى الآن، يركز هذا التصنيف بشكل أساسي على الفارين من الحروب والأنظمة السياسية القمعية، وذلك لأن العالم لم يشهد بعد بوضوح عواقب التلوث واستغلال الموارد الطبيعية بشكل كافٍ.
إن تغير المناخ لا يميز بين الحدود الجغرافية ولا يفرق بين الأفراد بناءً على أسباب لجوئهم. لذا، من الضروري أن يتم تعديل السياسات الدولية لتشمل الحماية والمساعدة للاجئين المتضررين من تغير المناخ. يجب أن نرى تغيرًا في التصنيفات والمعايير الحالية، بحيث يتم الاعتراف باللاجئين المناخيين وتوفير الدعم اللازم لهم، كما هو الحال مع اللاجئين الآخرين. فقط من خلال تبني نهج شامل ومتكامل، يمكننا معالجة الأزمة الإنسانية الناجمة عن تغير المناخ وضمان العدالة والإنصاف لجميع اللاجئين، بغض النظر عن سبب لجوئهم.
المشكلة لا تكمن فقط في القانون، بل تشمل أيضًا مشاركة الدول المتقدمة في حلها، وهو جانب يكون حاضرًا عادة في معالجة قضايا اللاجئين. عادةً ما تتكفل هذه الدول بالمشاكل إلى حد ما لأنها تعترف بدورها في خلقها. على سبيل المثال، وضعت الحكومة الأمريكية قوانين خاصة بالهجرة للاجئين من أفغانستان الذين ساعدوا الجيش الأمريكي خلال الحرب الأفغانية، لأنها كانت تدرك دورها وحاجتها لحماية الأفغان الذين سيواجهون اضطهادًا من طالبان. فعلت الحكومة الأمريكية نفس الشيء خلال حرب فيتنام.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن البلدان المتقدمة هي أكبر منتجي الانبعاثات في العالم، فإنها لا ترغب في تقديم تسهيلات الهجرة بنفس السخاء الذي كانت عليه في الماضي. اليوم، الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي معًا ينتجون 60 في المائة من انبعاثات الكربون في العالم، ولكن هذه الانبعاثات تتسبب في مشاكل أكبر في البلدان الأخرى التي تعاني من تداعيات التغير المناخي بشكل أكثر حدة. لذلك، يجب على هذه الدول أن تتحمل مسؤوليتها في حل المشاكل التي ساهمت في خلقها.
لا يمكن القول إن الدول المتقدمة لا تبذل أي جهد لمساعدة البلدان التي تعاني من المشاكل المناخية الشديدة. على سبيل المثال، حصلت الصومال على 3 مليارات دولار من المساعدات الأمريكية في العقد الماضي. وفي عام 2022، جمعت الدول المتقدمة أكثر من 100 مليار دولار لدعم المشروعات المستدامة في الدول النامية. ومع ذلك، فإن هذه المساعدات ليست كافية لحل المشاكل التي تواجهها الدول النامية بسبب تغير المناخ.
علاوة على ذلك، فإن التقدم المحلي في الدول المتقدمة في مجال مكافحة تغير المناخ يسير بوتيرة بطيئة للغاية. تفتقر هذه الدول إلى قوانين قوية تحد من استخراج الفحم أو تقليل انبعاثات الكربون، مما يؤدي إلى استمرارها في إنتاج مصادر التلوث.
وبالرغم من وجود بعض الجهود المبذولة من قبل الدول المتقدمة، إلا أن آثار نشاطاتها السلبية غالبًا ما تفوق الإيجابيات. إذا لم تحدث تغييرات كبيرة وسريعة في سياسات هذه الدول، فإن المشكلة ستتفاقم وتزداد سوءًا قبل أن نشهد أي تحسن حقيقي. من الضروري أن تتبنى الدول المتقدمة إجراءات حازمة وسريعة للتصدي لتغير المناخ والمساعدة في التخفيف من معاناة الدول الأكثر تضررًا.
ووسط كل المخاوف المستقبلية المتعلقة بتغير المناخ، ينسى الناس بسهولة أن هناك مجتمعات تكافح تحديات تغير المناخ يوميًا، ومع ذلك تظل هذه المجتمعات خارج الحوار الدولي. لا يمكن التقليل من تأثير تغير المناخ وهو القادر على زعزعة الاستقرار في البلدان النامية.
لمعالجة هذه المشكلة، يجب اتخاذ ثلاث خطوات رئيسية.
أولاً، يجب على المجتمع الدولي توفير حماية قانونية أكبر للمهاجرين بسبب تغير المناخ. ومع أن الدول الغربية تواجه تحديات في استيعاب اللاجئين، إلا أن الحل يكمن في معالجة المشكلة من جذورها. وهذا يتطلب تحركًا جماعيًا للحد من الانبعاثات والتلوث من قبل جميع الدول المتقدمة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات أكبر للدول التي تقع في الخطوط الأمامية لمواجهة تغير المناخ.
ثانيًا، يجب تعزيز التعاون الدولي لتقديم الدعم المالي والتقني للدول النامية، لمساعدتها على التكيف مع آثار تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة.
ثالثًا، من الضروري رفع مستوى الوعي العالمي حول الآثار الحالية لتغير المناخ على المجتمعات الأكثر ضعفًا، وضمان إدراجها في الحوارات والسياسات الدولية.
تغير المناخ يغير حياتنا بشكل مستمر، ويعتمد علينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للرد على هذه التحديات بفعالية وعدالة.