في ظل التغيرات المناخية الراهنة التي تجتاح كوكب الأرض بشكل متزايد، تبرز تأثيرات متفاوتة تلقي بظلالها على مختلف شرائح المجتمع، لكن تظل هناك فئات تعاني أكثر من غيرها جراء الآثار المترتبة على هذه التحولات البيئية. بشكل خاص، تجد الفئات ذات القدرات الجسدية والنفسية والصحية المحدودة نفسها في مواجهة صعوبات جمّة للتأقلم مع الواقع الجديد الذي تفرضه التغيرات المناخية. من بين هذه الفئات، يبرز الأشخاص ذوو الإعاقة كأحد أكثر الجماعات تأثرًا، حيث تضعف قدرتهم على الوصول إلى الموارد والخدمات الضرورية، وتفاقم من مخاطر العزلة والتهميش التي قد يواجهونها. كما تتأثر النساء والأطفال بشكل ملحوظ، إذ تتسبب الظروف البيئية القاسية في تفاقم الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الملقاة على عاتقهم، وتشكل تحديات جديدة تهدد سلامتهم ورفاهيتهم.
في الوقت الذي انشغل فيه العالم، غاب عن إدراك الكوارث التي ستحل به جراء تلك الممارسات الضارة في البيئة. فقد حققت الدول المتقدمة إنجازات عالمية وتقدمًا هائلاً في مجالات مختلفة على حساب الدول النامية، مما أدى إلى دفع الدول النامية ثمن هذه الممارسات، من خلال ضحايا بشرية ومعاناة أكبر وتدمير النظام البيئي بشكل تدريجي كالموت البطيء.
وشهدت الدول النامية تراجعًا ملحوظًا في أداء النظام البيئي بشكل متكامل، على نحو مختلف تمامًا عما كان عليه في الماضي. لوحظ ارتفاع في مستوى سطح البحر، إلى جانب تغيرات جذرية في أنماط الطقس، وتحولات في خصائص التربة، فضلاً عن ذوبان متسارع للجليد وارتفاع قياسي في درجات الحرارة. جميع هذه التحولات جاءت نتيجة لزيادة نسبة الانبعاثات الكربونية في الغلاف الجوي، والتي تصاعدت بشكل خاص بعد الثورة الصناعية من قبل الدول المتقدمة. على سبيل المثال، يُقدر أن الصين تصدر حوالي 10-11 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، بينما تبلغ انبعاثات الولايات المتحدة الأمريكية من 5 إلى 6 مليارات طن سنويًا، وفقًا لتقارير أصدرها البنك الدولي.
تتفاقم آثار التغير المناخي بشكل ملحوظ على العديد من الفئات، وبخاصة النساء في جميع أنحاء كوكبنا، مما يؤثر سلبًا على صحتهن الجسدية والنفسية، وكذلك على وضعهن الاقتصادي، التعليمي، والاجتماعي، دافعًا إياهن نحو مواجهة تحديات أكبر. النساء اليوم يتحملن عبء التغير المناخي أكثر من غيرهن لعدة أسباب، منها:
العوامل البيولوجية: النساء أكثر عرضة لأمراض الجهاز التنفسي بسبب الهرمونات مثل الإستروجين، الذي يزيد من حساسية الجهاز التنفسي للملوثات. كما أنهن يواجهن خطر الجفاف بنسبة أعلى مقارنةً بالرجال بفضل الاختلافات في تكوين أجسادهن. التغير المناخي يؤثر أيضًا على صحة المرأة الإنجابية، بما في ذلك دورتها الشهرية، وخصوصًا في الدول التي تعاني من شح المياه. المصدر: منظمة الصحة العالمية.
التحديات التعليمية والصحية: فهنالك حوالي 31% من المدارس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفتقر إلى وجود المياه والصابون لغسل اليدين، بينما 15% منها تفتقر إلى وجود خدمات صرف صحي أساسية. هذا النقص في الخدمات الأساسية يعرقل وصول المياه الكافي، ويزيد من احتمالية الإصابة بأمراض الصحة الإنجابية خلال فترة الدورة الشهرية، ما يؤكد على الحاجة الماسة لمواجهة هذه التحديات وتقديم الدعم اللازم للنساء في ظل الأزمة المناخية الراهنة.
العوامل الاجتماعية: تتأثر النساء أكثر من غيرهن بآثار التغير المناخي بسبب أدوارهن الاجتماعية، كونهن مسؤولات عن رعاية الأسرة وإدارة شؤون المنزل من توفير المياه وتقليل هدر الطعام، مما يؤثر على تقليل مشاركتهن في المناسبات الاجتماعية وتمثيلهن في أماكن صنع القرار. ويترتب على النساء عبء إضافي بسبب الهجرة المناخية، حيث تزداد نسبة زواج الفتيات تحت سن الـ18 وتزداد نسبة عزوفهن عن المدارس بسبب الفيضانات. تتراوح نسبة الفتيات المراهقات الريفيات اللاتي لا يتلقين التعليم الثانوي إلى 60% في العراق، 40% في اليمن، و30% في السودان. تترك هؤلاء الفتيات المدرسة بنسبة أكبر من الفتيان بسبب التحديات القائمة على النوع الاجتماعي، حيث يتوجب عليهن المساعدة في المسؤوليات المنزلية أو الاعتناء بإخوتهن، وأدت الأزمات المتعلقة بندرة المياه في كل من اليمن والسودان إلى زيادة المسافة التي تقطعها الفتيات المراهقات لجلب المياه الصالحة للشرب.
العوامل الاقتصادية: تصبح النساء، وخاصة المزارعات، أكثر عرضة للفقر بسبب تدمير المحاصيل الزراعية جراء التأثيرات المناخية مثل الجفاف ونقص المياه والفيضانات. كما تتعرض المرأة المزارعة للعنف البيئي أكثر من غيرها، حيث إن أغلب المناطق الزراعية لا تتوفر فيها خدمات صرف صحي، مما يؤدي إلى تعرض هؤلاء النساء للتحرش أثناء بحثهن عن مكان مناسب لقضاء حاجتهن فيه.
ماذا نحتاج اليوم لتقليل حدة هذه التغيرات؟
ما نحتاجه اليوم هو الحد من تأثير التغيرات المناخية، خاصةً على صحة النساء البدنية والنفسية. يمكن ذلك من خلال تفعيل دور النساء في الابتكار وإيجاد حلول مستدامة تتناسب مع ظروفهن. بالإضافة إلى ذلك، تبرز أهمية التركيز والسعي نحو زيادة الدعم الدولي لهن من خلال تخصيص دعم مادي، إرشادي، نفسي، وصحي لمساعدتهن في مواجهة آثار التغير المناخي، من خلال بناء قدراتهن وتشجيعهن على المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالبيئة والمناخ، وتوفير موارد لدعم مشاريعهن. ولا ننسى أهمية نشر الوعي بين الأفراد من أجل تخفيف الممارسات اليومية التي تزيد من نسبة الانبعاثات الكربونية في العالم.
في نهاية المطاف، نعي أن تأثير قضية التغير المناخي لا يقتصر فقط على المرأة، بل يمتد أثرها ليطال فئات أخرى وجوانب متعددة تختلف باختلاف الفئة المتعرضة لها. أما اليوم فعلينا السعي وراء تحقيق ما ينادي به العالم من أهداف التنمية المستدامة وتنفيذ التوصيات التي يتم الخروج بها في المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية أيضًا، والتي تدرس حالة كل منطقة وكل فئة وتتناسب في توصياتها مع ظروفها. يتم تسهيل ذلك من خلال دمج أصوات تلك الفئات المتأثرة في صنع القرارات البيئية، وتبني المجتمعات المحلية والإقليمية والعالمية جهودًا أكثر جدية للتخفيف من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتبني أساليب حماية للفئات المتأثرة من التغيرات المناخية.
فمن الضروري إذًا، الاعتراف بالحاجة الماسة لتطوير استراتيجيات شاملة ومرنة قادرة على تعزيز قدرة هذه الفئات على التكيف مع التغيرات المناخية. يتطلب ذلك مناهج متعددة الأبعاد تراعي الاحتياجات الخاصة وتضمن توفير الدعم الكافي في مجالات الصحة، التعليم، والوصول إلى الخدمات الأساسية، بما يضمن لكل فرد الحق في العيش بكرامة وأمان في مواجهة هذه التحديات البيئية الراهنة.