في عالم الفيزياء، يعتبر مفهوم القوة المحصلة أنه مجموع القوى المؤثرة على جسم ما، وهو أساس تحديد حركة الجسم، و ما إذا كان سيتحرك أم لا وكيف. وهذا المبدأ، الذي يبدو للوهلة الأولى مقتصرًا على العلوم الطبيعية، يجد نظيرًا له في الحركة داخل الساحة السياسية المعقدة والتي لا يمكن التنبؤ بها غالبًا. وهنا يلعب العديد من اللاعبين بدءًا من الحكومات، والمجتمع المدني، والسياسيين على اختلاف مواقعهم الفكرية والسياسية وطبيعة استخدامهم لأدوات الفعل السياسي والاجتماعي، والشعب على اختلاف انتماءاتهم والجدلية بين رحلته نحو خلاصه الفردي واصطدامه بالعقل الجمعي السائد وطبيعة العوالم المتعددة المتوازية التي أصبح يعيشها الفرد بسبب لامركزية وسائل التواصل الاجتماعي ومراجع الحصول على المعلومة، حيث يساهم كل منهم بمدخلات بطريقة أشبه بالقوى المؤثرة على جسم متحرك، ويتفاجئ في النهاية كل لاعب بانحراف قراءته للمشهد وفشل تطبيق أفكاره.
هذا المفهوم يمكن إسقاطه في السياق السياسي، فيمكن اعتبار “القوى” بمثابة المدخلات أو الإجراءات المختلفة التي تتخذها الكيانات السياسية، وتشمل هذه الإجراءات التشريعية والرأي العام والضغوط الاقتصادية والعلاقات الدولية وغيرها. وكما هو الحال في الفيزياء، حيث القوة المحصلة هي المجموع المتجه لكل القوى الفردية المؤثرة على جسم ما، فإن نتيجة أي موقف سياسي في النهاية سيكون التشوه الناتج عن التأثيرات المجمعة لكل هذه المدخلات.
ومع ذلك، فإن التنبؤ بالنتيجة في كلا السيناريوهين يظل مهمة معقدة في كثير من الأحيان. في الفيزياء، على الرغم من أن المبادئ الأساسية قد تكون واضحة، إلا أن التطبيق على سيناريوهات العالم الحقيقي حيث تتفاعل قوى متعددة بطرق ديناميكية وغير خطية يمكن أن يكون أمرًا صعبًا. وعلى نحو مماثل، في السياسة، قد يؤدي التفاعل بين مختلف اللاعبين ذوي الأجندات والقوى والاستراتيجيات المختلفة إلى نتائج يصعب التنبؤ بها وتحديدها.
عنصر الفوضى وعدم القدرة على التنبؤ في السياسة، وخاصة في المساحات التي تتفاعل فيها قوى متعددة، يؤدي إلى صعوبة في توقع النتائج والعواقب بدقة وقد يقود في الكثير من المرات إلى تلقي نيران صديقة وخلق سياسات وأجواء تضعف الفكرة الأساسية التي بدأ الفعل السياسي لأجلها وعلى الرغم من تحليل الأحداث المعاصرة والتاريخية، فإن تصرفات الأفراد والجماعات يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، وهنالك “تأثير الفراشة”، وهو مصطلح مستعار من نظرية الفوضى، الذي يصف هذه الظاهرة، حيث يمكن أن تؤدي التغييرات الصغيرة في بعض الظروف إلى نتائج مختلفة إلى حد كبير وقد يكون جذريًا.
التشابه بين مفهوم القوة المحصلة في الفيزياء وديناميكيات السياسة، يوضح لنا كيف أنه على أفراد الفعل السياسي والاجتماعي التفكير على مراحل، فهناك مرحلة تطور الفكرة والنظرية القيمية والأيديولوجية وهنالك مرحلة أخرى تمامًا عنوانها التطبيق وتنفيذ هذه الفكرة عبر أشخاص مختلفين من مواقع متعددة، مع مراعاة فهم أبعاد أفعالهم وردات أفعالهم بناء على مدخلات الساحة السياسية الأخرى وهذا يكون الأساس لأي تخطيط وتفكير استراتيجي.
يمكن التوصل في النهاية إلى أن نتيجة أي نظام، سواء كان فيزيائيًا أو مجتمعيًا، تتحدد من خلال التفاعل المعقد وغير المتوقع غالبًا بين الأجزاء المكونة له، بالنسبة للمفكرين الاستراتيجيين في السياسة، فإن فهم الديناميكيات أمر بالغ الأهمية، وكما يحاول الفيزيائيون فهم حركة الأجسام والتنبؤ بها من خلال حساب القوى المحصلة الصافية، يجب على الاستراتيجيين السياسيين تحليل تصرفات اللاعبين الآخرين والتنبؤ بها، وينطوي ذلك على فهم عميق لدوافع هؤلاء اللاعبين ونقاط القوة والضعف لديهم، فضلاً عن العوامل الخارجية المؤثرة على المشهد السياسي. ومن خلال التقييم الدقيق لهذه المتغيرات، يمكن للاستراتيجيين السياسيين تقديم مدخلات و إجراءات أو سياسات استراتيجية تعمل على تغيير مسار الأحداث بشكل كبير، وتوجيه النتيجة نحو أهدافهم المرجوة، ويصبح فهم القوى المؤثرة وطبيعة حركتها المهارة الجوهرية لفهم حركة العالم والسياسات ومحاولة تشكيلها وبنائها.