تعتاد الجموع على ربط الحالة التطورية للتشكيلات الإرهابية أو المتطرفة على أنها متعطلة في الزمن الذي قطّع الفرد المتطرف أوصال التحديث عنه وذلك ما يجعلنا نرتاب من اعتبارات التحجيم والسكيمات (الأنماط) التي ألصقها الجموع على شكل الردود الإرهابية وسؤال ما المتوقع منها في ظل بيئات مهمشة لا تتكفل فيها الأنظمة بصنع اختراقات مدروسة في البنية الاجتماعية التي قد تصاب بوابل الاضطرابات والتناقضات التي تقود لمراحل معمقة من اللاحل والتعقيد في فهم سؤال المرحلة القادمة التي تتقطع أوصالها يوما بعد يوم في ظل ثورة تقنية لا حدود لها، تتسع للجميع ولا تقف لانتظار أحد أكان فرد أم مجتمع أو دولة.
عند وضع مصطلحات مثل الإرهاب، التطرف، الانغلاق والإقصاء في أي سياق فإن التصورات الرجعية القديمة تطال ذاكرتنا وتصوراتنا المستقبلية آخذة بعين الاعتبار أشكال العنف المختلفة وبعض صور التفجيرات وحالات الخطف مثلا وذلك ينساق مع مع إشكالية متصاعدة الأهمية على مستقبل الشبكة ألا وهي إشكالية التوظيف والحشد الشبكي في ظل تنامي حالات الاغتراب والعزلة والشعور بعدم الانتماء داخل المجتمعات الصغيرة التي تُصدِّر أفرادها المُحبَطين إلى المجتمع الأوسع لِيُصاب المجتمع بعد ذلك بأعراض طفيفة في مناطق معينة ومناطق أخرى يُصاب بالشلل وأحيانا الموت، ولعل هذه الأعراض الطفيفة التي تُصاحب موجة الإرهاب أشد وطأة من الموت الفردي بحد ذاته حيث تُسهم هذه المُخلفات المجتمعية التي تتركها حالات التطرف والتعصب ورفض الآخر لمظاهر وشواهد ذات مدى بعيد ومتراكم لا يُحمد عُقباها ما تدفع الأنظمة لمتاهات في فهم التوليفة الجديدة لمعالجة نقاط الضعف في المجتمع.
حيث ينطلق الفرد بعدسته الالكترونية وانتقائاته السطحية كانت أم العميقة ليتقاطع مع العديد من الرسائل التي لم تعد مشفرة بعد الآن ويتحمل مسؤولية ردع نفسه بنفسه سواء عن التفاعل الإيجابي أم السلبي ليخلق لنفسه أو لغيره مساحة وحيز موجود وإن كان نسبته ضئيلة لجماعات وأفراد في أقصى المسافات جغرافيا وأضيق المساحات إنسانيا للتوسع في بيئة خصبة تعمل تدريجيا لنيل قبول أهدافها غير المُستَعجَلة وفق استراتيجية تنفذها بهدوء وروية للانقضاض على ضحاياها متنوعي المنابت والأصول ذوي التفرعات الأكاديمية والعلمية المشهود بها والتي تزول في لحظات الغوص في ظلال الوسائل المدروسة التي لم تنبس ثانية عن أخذ مثل هكذا فرصة لتسريع جودة ونوعية مشاريعها حول العالم ونشر سمومها التي لا يُباع لها ترياق في الأسواق أو في غرف صنع القرار.
لعل التساؤل الأكبر الذي ينبغي أن نحاول صياغة بدايات إجابته هو أين تقف حدود الدولة وتداخلاتها من التجمعات المُغالية المُؤسسة مسبقا وتعمل على نغمات الجماعات بعيدة الأثر وتحاول زيادة حيز الوصول والجماهيرية لها بأذرعها الالكترونية المتنقلة؟ هل ستعمل الدولة على فلترة روافد المحتويات بدء من أبسطها لأعقدها أم ستتغاضى عن حدة الخطورة المُحتملة لتكثف جهودها نحو الجهات ذات السجلات الممتلئة؟ هل ستعمل الدولة على خلق محتويات رقمية مكثفة ذات جودة عالية لتجابه الاستمالة التقنية التي يتعرض لها كل فرد بلا أي استثناء ما يعزز تلقائيا من كيان الدولة في توسعها القمعي المشروع لدرء مخاطر الشبكات السوداء؟ أم هل سنتعمد على ثقافة مجتمعية تم تشويشها ونسيان طرق التفاعل السليم مع أصغر أفرادها سنا على حساب أولويات لا تكفي لقطف ثمار الشبكة وتوظيفها لتحقيق مصالح الدولة العليا؟
هناك العديد من التساؤلات التي ينبغي طرحها، لكن كمُحبين لجماليات المعرفة والتوسع الفكري الذي لم يسبقه أي تطور في عصور البشرية نستطيع أن ننطلق من اعتبار أن الدولة بدءً من ماهيتها وأركانها تقدر بكل بساطة على خلق توليفة اجتماعية تقنية تُمكنها بأذكى الوسائل من حماية كيانها ومكوناتها الاجتماعية من أي اختراق كان تقني أم سياسي إن أخذت هي زمام المبادرة في خطواتها التقنية بعيدة المدى ما يجعل من الوجود في هذا العصر واحد من أبرز حظوظ البشرية وأكبر مصادر متعتها المُطلقة.