خوارزميات بخط اليد

في مسيرة الابتكار التكنولوجي المتسارعة باستمرار، يظهر الذكاء الاصطناعي كقوة ثورية تعد بإعادة تعريف كل ما حولنا في عالم متزايد في التعقيد. ومع ذلك، وسط القدرات المذهلة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي، احتل إحدى المخاوف المثيرة للقلق مركز الصدارة وهو انتشار التحيز داخل خوارزميات صنع القرار، هنا تظهر مفارقة النقطة العمياء في وعينا الجماعي، نحن ندقق بشدة في الذكاء الاصطناعي بحثًا عن تحيزاته، بينما نهمل في كثير من الأحيان الحقيقة التي لا يمكن إنكارها وهي أن هذه الأنظمة يتم إنشاؤها وتشغيلها من قبل البشر.

خلال استكشافنا للمفارقات المتعلقة بتحيزات الذكاء الاصطناعي، نستحضر من يخلق هذا العالم الرقمي ونجدهم من البشر، وبينما نتعمق في عالم الخوارزميات، يتضح لدينا أن جينات التحيزات البشرية متراكمة داخل الحمض النووي للذكاء الاصطناعي.

يلعب البشر دورًا أساسيًا في توفير المواد الخام لأنظمة الذكاء الاصطناعي، أي البيانات، فيمكن أن تتضمن هذه البيانات نصوصًا أو صورًا أو مقاطع فيديو أو أي معلومات أخرى ذات صلة، في كثير من الحالات، يكون البشر أيضًا مسؤولين عن تصنيف هذه البيانات ضمن عناوين وأسماء معينة، وبعد تغذية النظام بهذه البيانات المصنفة تأتي مرحلة تدريب النماذج، وتوجيهها وتعريفها على الأنماط المختلفة، وكل ما يتضمنه ذلك من ضبط للمعلومات، وضبط للخوارزميات ويتبعها مراحل من التحقق والاختبار بتقييم أداء نظام الذكاء الاصطناعي، والتأكد من أنه يلبي المعايير المطلوبة والاعتبارات الأخلاقية المتفق عليها، يقوم البشر بتحديد وتصحيح أي أخطاء أو تحيزات قد يتم تعليمها في أثناء عملية التدريب ضمن الممكن، وبعدها وحتى بعد التطوير الأولي، تظل المدخلات البشرية ضرورية للمراقبة و للتحسين المستمر، يتضمن ذلك مراقبة أداء نظام الذكاء الاصطناعي وتحديث مجموعات البيانات والخوارزميات للتكيف مع الظروف والمتطلبات المتغيرة.

 وبعد هذه السلسلة من الخطوات البشرية وبشكل مواز للانتقادات الموجه للذكاء الاصطناعي يجب أن يمتد نقدنا إلى ما هو أبعد من العالم الرقمي، إن التدقيق في الذكاء الاصطناعي بحثاً عن أي تحيزات مع التغاضي عن تحيزاتنا هو إعاقة للتطور الأخلاقي للتكنولوجيا.

فالبشر ليسوا محصنين ضد التحيزات المعرفية، ويمكن لهذه التحيزات أن تؤثر بشكل خفي، وتتسلل إلى الخوارزميات، إن التحيز التأكيدي، وإدامة الصور النمطية، والتحيزات الثقافية ليست سوى عدد قليل من الميول البشرية المتأصلة التي تتسرب وتورث إلى الخوارزميات، مما يخلق تأثيرًا مضاعفًا للتحيز في مخرجات الذكاء الاصطناعي.

ويشكل التحيز البشري في الذكاء الاصطناعي تحديًا كبيرًا حيث تتعلم نماذج التعلم الآلي من البيانات التاريخية، والتي قد تعكس التحيزات والأحكام المسبقة المجتمعية. إذا كانت مجموعات بيانات التدريب تحتوي على اختلالات أو أنماط تمييزية، فمن الممكن أن تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على إدامة هذه التحيزات وتضخيمها، ويتبعه خطر استمرار وتكرار التحيز بهذه الحركة المفرغة، فقد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى بشر أكثر تحيزا، والذين بدورهم ينشئون خوارزميات متحيزة على نحو متزايد.

ومن خلال انتقاد الذكاء الاصطناعي دون الاعتراف بدورنا في تحيزاته، فإننا نديم عن غير قصد دورة التحيز، تعزز هذه الدورة منظورًا ضيقًا يرى فيه أن الذكاء الاصطناعي قوة خارجية، وتفصله عن جذوره البشرية، والنتيجة هي قدرة محدودة على معالجة الأسباب الجذرية للتحيزات، مما يعيق قدرتنا على إنشاء تكنولوجيا تتوافق مع قيمنا الأخلاقية وتطلعاتنا المجتمعية.

وفي تبني التأمل الذاتي واعتماد نهج شامل للنقد، يمكننا تمهيد الطريق لدمج الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر أخلاقية في مجتمعنا، ولا تقتصر الدعوة على التدقيق في التكنولوجيا فحسب، بل إلى التعرف على التحيزات داخل أنفسنا ومعالجتها.


ففي طريق رحلة البشرية خلال تأملها الذاتي وقيامها بمراجعتها لتاريخها وتراثها، والنظر في انحيازاتها ومساحة تأثيرها، تأتي مهمة تصدير هذه المراجعات على شكل بيانات وخوارزميات لتجهيزها للآلة للتعليم الذاتي ولاستخدام الذكاء الاصطناعي بكل ما تحتويه هذه البيانات من معلومات تاريخية ومعاصرة تشمل التراكم المعرفي للبشرية حتى هذه اللحظة التاريخية، والتي يحاول فيها بحذر تلقين الآلة بيانات تتصف بدرجة أقل من التنميط والازدراء للآخر الداخلي والخارجي، وهنا يثور سؤال عن حضور عملية المكاشفة والتعليم النقدي وزيادة الوعي لدى شعوب العالم بمختلف منابتهم حول عملية مراجعتهم لتاريخهم الخاص وبتحيزاتهم، وهل تقوم شعوب العالم اليوم بمراجعة نفسها وتاريخها على قدم واحدة أم أنه سيغافل الذكاء الاصطناعي بعض الشعوب بإجبارهم على تسليم ورقة الامتحان قبل الانتهاء من الإجابة، وتعريضهم بالحصول على خوارزميات منحازة مشبعة بإشكاليات شعوبها الممتلئة بالعنصرية والكراهية ونبذ الآخر، ويعقد سير بعض هذه الشعوب في عملية مراجعتها لتراثها وموروثها، هذا تحد جديد ينتظر القوى التنويرية والإصلاحية، فهنالك العديد من القضايا الأخلاقية التي تأتي مع تطور الذكاء الاصطناعي، وقد تنصرف إلى تحديات أعقد وأكثر تركيبا.

فالتأكيد المستمر على فكرة التعليم النقدي بزيادة قدرة الأفراد على فحص المعلومات بموضوعية، وكيفية تقييم مصادر المعلومات، وتحديد التحيزات في وسائل الإعلام، وتحليل الآثار المترتبة على وجهات النظر المختلفة لتحدي الصور النمطية للتحيزات اللاواعية والوصول إلى أفراد تقدر وتحترم تنوع التجارب الإنسانية، فبالنهاية إن زيادة الوعي حول أشكال التحيز المختلفة وعواقبها أمر بالغ الأهمية لتعزيز التطور الدائم والمستمر بين علاقة الإنسان مع الذكاء الاصطناعي، وهذه الجهود المستمرة للاعتراف بالتحيز ومعالجته والحد منه ضرورية للنمو الشخصي للإنسان وللنمو المجتمعي، ويمكننا من وضع الأساس لمستقبل يتعايش فيه الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي بشكل منسجم.